كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ففي هذه الروايات الصحيحة ما يدل على أن الهدي الذي معه مانع من الحل، ولو كان النحر قبل يوم النحر جائزًا لتحلل بعمرة ثم نحر، وفيه أن أزواجه صلى الله عليه وسلم متمتعات، وقد نحر عنهن البقر يوم النحر.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، لا نرى إلا الحج، فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل. قالت: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه» قال يحيى: فذكرته للقاسم بن محمد فقال: أتتك بالحديث على وجهه، انتهى من صحيح البخاري.
وقال مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير عن جابر قال «ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عائشة بقرة يوم النحر» وفي لفظ لمسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال «نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه» وفي حديث أبي بكر عن عائشة بقرة في حجته. انتهى من صحيح مسلم، وقد تركنا ذكر اختلاف الروايات، هل ذبح عن جميعهن بقرة واحدة، أو عن كل واحدة بقرة، كما جاء التصريح به في حديث مسلم، هذا بالنسبة إلى عائشة، وعلى كل حال فهذه الروايات الصحيحة، وأمثالها الكثيرة التي قدمنا كثيرًا منها: تدل على أنه صلى الله عليه وسلم نحر عمن تمتع من أزواجه، ومن قرن في خصوص يوم النحر، وأنه هو صلى الله عليه وسلم كذلك فعل عن نفسه، وكان قارنًا مع أنه كان يتمنى أن يعتمر، ويحل منها، ثم يحرم بالحج، كما أمر أصحابه بفعل ذلك، وصرح في الروايات الصحيحة: بأن المانع له من ذلك سوق الهدي، فلو كان الهدي يجوز نحره قبل يوم النحر لتحلل ونحر كما أوضحنا. وفعله هذا كالتفسير لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فبين بفعله: أن بلوغه محله يوم النحر بمنى، بعد رمي جمرة العقبة، فمن أجاز ذبح هدي التمتع قبل ذلك، فقد خالف فعله صلى الله عليه وسلم المبين لإجمال القران، وخالف ما كان عليه أصحابه من بعده وجرى عليه عمل عامة المسلمين، ولا يثبت بنص صحيح عن صحابي واحد أنه نحر هدي تمتع أو قران قبل يوم النحر، فلا يجوز العدول عن هذا الذي فعله صلى الله عليه وسلم مبينًا به إجمال الآيات القرأنية، وأكده بقوله: «لتأخذوا عني مناسككم» كما ترى.
فإذا عرفت مما ذكرنا: أن الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة، وفعل الخلفاء الراشدين، وغيرهم من كافة علماء المسلمين: هو أنه لا يجوز نحر هدي التمتع والقران، قبل يوم النحر. فدونك الأجوبة التي أجيبت بها عن أدلة المخالفين القائلين: بجواز ذبحه عند إحرام الحج، أو عند الإحلال من العمرة.
أما استدلالهم بأن هدي التمتع له سببان، فجاز بأحدهما قياسًا على الزكاة، بعد ملك النصاب، وقبل حلول الحلولن فهو مردود بكونه فاسد الاعتبار، وفساد الاعتبار من القوادح المجمع على القدح بها، وهو بالنسبة إلى القياس أن يكون القياس مخالفًا لنص من كتاب، أو سنة، أو إجماع، وهذا القياس مخالف للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم التي هي النحر يوم النحر، كما قدمنا إيضاحه، وعرف في مراقي السعود فساد الاعتبار بقوله في مبحث القوادح.
والخلف للنص أو إجماع دعا ** فساد الاعتبار كل من وعى

واستدلالهم بأن شروط التمتع وجدت عند الإحرام بالحج، فوجد التمتع بوجود شروطه، وذبح الهدي معلق على وجود التمع في الآية. وإذا حصل المعلق عليه، حصل المعلق مردود من وجهين:
الأول: أن وجود التمع لم يحقق بإحرام الحج، لاحتمال أن يفوته الحج بسبب عائق عن الوقوف بعرفة وقته، لأنه لو فاته الحج، لم يوجد منه التمتع، فدل ذلك على أن الإحرام بالحج لا يتحقق به وجود حقيقة التمتع التي علق على وجوده ما استيسر من الهدي.
الثاني: أن الهدي الواجب بالتمتع له محل معين، لابد من بلوغه في زمن معين، كما دل عليه قوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وقد بين صلى الله عليه وسلم بفعله الثابت ثبوتًا لا مطعن فيه. وقوله «إني لبدت رأسي وقلدت هديي» الحديث المتقدم: أن محله هو منى يوم النحر كما تقدم إيضاحه، واستدلالهم بأن الصوم الذي هو بدل الهدي، عند العجز عنه يجوز تقديم بعضه على يوم النحر، وهو الأيام الثلاثة المذكورة في قوله: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج} [البقرة: 196] فجاز تقديم الهدي على يوم النحر، قياسًا على بدله مردود من وجهين:
الأول: أنه قياس مخالف لسنة النَّبي صلى الله عليه وسلم التي فعلها مبينًا بها القران. وقال: «لتأخذوا عني مناسككم» فهو قياس فاسد الاعتبار، كما قدمنا إيضاحه قريبًا.
الوجه الثاني: أنه قياس مع وجود فوارق تمنع من إلحاق الفرع بالأصل.
منها: أن الهدي يترتب على ذبحه قضاء التفث، كما يدل عليه قوله في ذبح الهدايا: {وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} ثم رتب على ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] وهذا الحكم الموجود في الأصل منتف عن الفرع، لأن الصوم لا يترتب عليه قضاء تفث.
ومنها: أن الهدي يختص بمكان، وهذا الوصف منتف عن الفرع، وهو الصوم، فإنه لا يختص بمكان.
ومنها: أن الصوم إنما يؤدي جزؤه الأكبر بعد الرجوع إلى الأهل في قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وهذا منتف عن الأصل الذي هو الهدي، فلا يفعل منه شيء بعد الرجوع إلى الأهل كما ترى.
واستدلالهم: بأنه دم جبران، فجاز بعد وجوبه قبل يوم النحر قياسًا على فدية الطيب واللباس مردود من وجهين أيضًا.
اعلم أولًا: أنا قدمنا أقوال أهل العلم، ومناقشة أدلتهم مناقشة دقيقة في هدي التمتع هل هو دم جبران، أو دم النسك كالأضحية؟ فعل: أنه دم نسك فسقوط الاستدلال المذكور واضح، وعلى: أنه دم جبران، فقياسه على فدية الطيب واللباس يمنعه أمران.
الأول: أنه قياس فاسد الاعتبار لمخالفته السنة الثابتة، عند صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنه لم يثبت نص صحيح من كتاب، ولا سنة على وجوب الهدي في الطيب واللباس، حتى يقاس عليه هدي التمتع، والعلماء إنما أوجبوا الفدية في الطيب، واللباس قياسًا على الحلق المنصوص في آية الفدية، والقياس على حكم مثبت بالقياس فيه خلاف معروف بين أهل الأصول. فذهبت جماعة منهم إلى أن حكم الأصل المقيس عليه، لابد أن يكون ثابتًا بنص، أو اتفاق الخصيمن. وذهب آخرون إلى جواز القياس على الحكم الثابت بالقياس، كأن تقول هنا: من لبس أو تطيب في إحرامه، لزمته فدية الأذى، قياسًا على الحلق المنصوص عليه في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] الآية بجامع ارتكاب المحظور، ثم تقول: ثبت بهذا القياس أن في الطيب واللباس، فدية فتجعل الطيب واللباس الثابت حكمهما بالقياس أصلًا ثانيًّا، فتقيس عليهما هدي التمتع في جواز التقديم بجامع أن الكل دم جبران، وكأن تقول: يحرم الربا في الذرة، قياسًا على البر بجامع الاقتيات، والادخار، أو الكيل مثلًا ثم تقول: ثبت تحريم الربا في الربا في الذرة، قياسًا على البر بجامع الاقتيات، والادخار، أو الكيل مثلًا ثم تقول: ثبت تحريم الربا في الربا في الذرة، قياسًا على البر بجامع الاقتيات، والادخار، أو الكيل مثلًا ثم تقول: ثبت تحريم الربا في الربا في الذرة بالقياس على البر، فتجعل الذرة أصلًا ثانيًّا، فتقيس عليها الأرز، ونحو ذلك فعلى أن مثل هذا لا يصح به القياس، فسقوط الاستدلال المذكور واضح وعلى القول بصحة القياس عليه، وهو الذي درج عليه في مراقي السعود بقوله:
وحكم الأصل قد يكون ملحقًّا ** لما من اعتبار الأدنى حققا

فهو قياس مختلف في صحته أصلًا، وهو فاسد الاعتبار أيضًا، لمخالفته لسنته صلى الله عليه وسلم.
واستدلالهم بقوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدي} [البقرة: 196] قائلين: إنه بمجرد الإحرام بالحج يسمى متمتعًا، فيجب الهدي بإحرام الحج، لأن اسم التمتع يحصل به، والهدي معلق عليه قالوا: ولأن ما جعل غاية تعلق الحكم بأوله كقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل} [البقرة: 187] مردود أيضًا.
أما كون التمتع يوجد بإحرام الحج، والهدي معلق عليه فيلزم وجوده بوجوده، فقد بينا رده من وجهين بإيضاح قريبًا فأغنى عن إعادته هنا.
وقولهم: إن ما جعل غاية تعلق الحكم بأوله يعنون أن قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج} [البقرة: 196] جعل فيه الحج غاية بحرف الغاية الذي هو إلى، فيجب تعلق الحكم الذي هو ذبح الهدي بأول الغاية، وهو الحج وأوله الإحرام، فيجب الذبح بالإحرام كقوله: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل} [البقرة: 187] فإن حكم إتمام الصيام ينتهي بأول جزء من الليل، الذي هو الغاية لإتمامه مردود من وجهين.
الأول: أن هذا غير مطرد، فلا يلزم تعلق الحكم بأول ما جعل غاية.
ومن النصوص التي لم يتعلق الحكم فيها بأول ما جعل غاية قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فنكاحها زوجًا غيره جعل غاية لعدم حليتها له، مع أن أول هذه الغاية الذي هو عقد النكاح، لا يتعلق به الحكم، بل لابد من بلوغ آخر الغاية: وهو الجماع، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» فعلم أن التعلق بأول الغاية: لا يلزم على كل حال.
الوجه الثاني: أن سنة النَّبي الثابتة عنه من فعله، ومفهوم قوله: بينت أن هذا الحكم، لا يتعلق بأول الغاية، وإنما يتعلق بآخرها وهو الإحلال الأول: لأنه لم ينحر هدي تمتع، ولا قران إلا بعد رمي جمرة العقبة، وفعله فيه البيان الكافي للمراد من الغاية التي يترتب عليها {فَمَا استيسر مِنَ الهدي} [البقرة: 196] والله يقول: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} [الأحزاب: 21] الآية ففعله مبين لقوله: {فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدي} لأنه ذبح عن أزواجه المتمتعات يوم النحر، وأمر أصحابه المتمتعين بذلك، وخير ما يبين به القران بعد القران السنة، والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] الآية، وهو صلى الله عليه وسلم يبين المناسك بأفعاله، موضحًا بذلك المراد من القرآن، ويقول: «لتأخذوا عني مناسككم».
الثالث: أنه لو جاز له ذبحه قبل يوم النحر، لجاز الحلق قبل يوم النحر، وذلك باطل فالحلق لا يجوز، حتى يبلغ الهدي محله. كما هو صريح القران، والحلق لم يجز قبل يوم النحر، فالهدي لم يبلغ محله قبل يوم النحر، وهو واضح كما ترى، ولذا لم يأذن صلى الله عليه وسلم في حجته، لمن ساق هديا أن يحل ويحلق، وإنما أمر بفسخ الحج في العمرة من لم يسق هديا، ولا شك أن ذلك عمل منه بقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
واستدلالهم بحديث جابر المتقدم عند مسلم قال: «فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية» وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم مردود بالقادح المسمى في اصطلاح أهل الأصول بالقلب، لأن حديث جابر المذكور حجة عليهم، لا لهم وذلك هو عين القلب وإيضاحه أن لفظ الحديث: «وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم» والإشارة في قوله: وذلك راجعة إلى الأمر بالهدية، والاشتراك فيها، والحديث صريح في أن ذلك حين إحلالهم من حجهم. وذلك إنما وقع يوم النحر، لأنه لا إحلال من حج ألبتة قبل يوم النحر.
والغريب من الشيخ النووي أنه قال في حديث جابر هذا: وفيه دليل لجواز ذبح هدي التمتع بعد التحلل من العمرة، وقبل الإحرام بالحج، لأن لفظ الحديث مصرح بأن ذلك عند الأمر بالإحلال من الحج، وهو يستدل به على وقوعه قبل الإحرام بالحج.
والظاهر أن هذا سهو منه أو أنه ذهب ذهنه إلى أنه أمرهم بذلك حين تحللهم من العمرة، وظن أن اسم الحج لا ينافي ذلك. لأن أصل الإحرام بالحج، ففسخوه في عمرة، فلما أحلوا منها صاروا كأنهم محلون من الحج الذي فسخوه فيها، وهذا محتمل ولَكِنه بعيد جدًّا من ظاهر اللفظ لأن الحج الذي أحرموا به لما فسخوه في عمرة زال اسمه بالكلية، وصار الإحلال من عمرة لا من حج كما ترى، فحمل لفظ الإحلال من الحج على الإحلال من العمرة حمل للفظ الحديث، على ما لا يدل عليه بحسب الوضع العربي من غير دليل يجب الرجوع إليه.
ولو سلمنا جدليًّا: أن المراد في حديث جابر المذكور بالإحلال من الحج: هو الإحلال من العمرة التي فسخوا فيها الحج كما هو رأي النووي، فلا دليل في الحديث أيضًا، لأن غاية ما دل عليه الحديث على التفسير المذكور: أنه أمرهم عند الإحلال من العمرة بالهدي وذلك لا يستلزم أنهم ذبحوه في ذلك الوقت، بل الأحاديث الصحيحة الكثيرة الدالة على أنهم لم يذبحوا شيئًا من هداياهم، قبل يوم النحر، كما تقدم إيضاحه.
واستدلالهم بحديث ابن عباس المتقدم عند الحاكم «أنه صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنمًا فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه عن نفسه، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة» إلى آخر الحديث المتقدم، لا دليل فيه، لأنه محمول على أنه لم يذبحه إلا يوم النحر، كما فعل جميع الصحابة. وجاء في مسند الإمام أحمد التصريح بذلك فصارت رواية أحمد المصرحة، بأن ذلك وقع يوم النحر مفسرة لرواية الحاكم.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ما نصه: باب تفرقة الهدي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قسم غنمًا يوم النحر في أصحابه وقال: اذبحوا لعمرتكم فإنها تجزئ عنكم فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس» رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. اهـ منه.
وهذه الرواية الصحيحة مبينة أن ذبحهم عن عمرتهم، إنما كان يوم النحر، وأن ذلك هو المراد في الرواية التي رواها الحاكم، لأن الروايات يفسر بعضها بعضًا، كما هو معلوم في علم الحديث والأصول، ولقد صدق الهيثمي في أن رجاله رجال الصحيح، لأن أحمد رواه عن عجاج بن محمد المصيصي الأعور أبي محمد مولى سليمان بن مجالد، وهو ترمذي الأصل سكن بغداد ثم تحول إلى المصيصة، أخرج له الجميع. وقال فيه ابن مجر في التقريب: ثقة ثبت، لَكِنه اختلط في آخر عمره، لما قدم بغداد قبل موته وقال فيه في تهذيب التهذيب بعد أن ذكر ثناء عليه كثيرًا من نقاد رجال الحديث: كان ثقة صدوقًا إن شاء الله، وكان قد تغير في آخر عمره حين رجع إلى بغداد. والظاهر أن الإمام أحمد إنما أخذ عنه قبل اختلاطه لأنه كان في بغداد قبل المصيصة، ثم رجع من المصيصة إلى بغداد في حاجة له، فمات بها واختلاطه في رجوعه الأخير كما يعلمه من نظر ترجمته في كتب الرجال، وحجاج المذكور رواه عن عبدالملك بن عبد العزيز بن جريج، وقد أخر له الجميع وهو ثقة فقيه فاضل معروف وكان يدلس ويرسل، ولَكِنه في هذا الحديث صرح بالإخبار عن عكرمة، عن ابن عباس وراوي الحديث عن أحمد ابنه، عبد الله وجلالته معروفة، فظهر صحة الإسناد المذكور كما قاله في مجمع الزوائد، والعلم عند الله تعالى وقد رأيت مما ذكرنا أدلة من قال: بجواز ذبح هدي التمتع عند الإحرام بالحج، ومن قال: بجوازه عند الفراغ من العمرة، وأدلة من قال: لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر ومناقشتها.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي والله أعلم: أنه لا يجوز ذبح هدي التمتع، والقران قبل يوم النحر لأدلة متعددة، أوضحناها غاية الإيضاح قريبًا.